{الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} بدلٌ من كلِّ مختالٍ، فإنَّ المختالَ بالمالِ يضنُّ به غالباً ويأمرُ غيرَهُ به. أو مبتدأٌ خبرُهُ محذوفٌ يدلُّ عليه قولُه تعالَى: {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغنى الحميد} فإنَّ معناهُ ومَنْ يُعرضُ عن الإنفاقِ فإنَّ الله غنيٌّ عنْهُ وعنْ إنفاقه محمودٌ في ذاتِه لا يضرُّه الإعراضُ عن شكرهِ بالتقربِ إليهِ بشيءٍ من نعمهِ، وفيه تهديدٌ وإشعارٌ بأنَّ الأمرَ بالإنفاقِ لمصالحةِ المُنفقِ. وقرئ: {فإنَّ الله الغنيُّ}.{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} أي الملائكةَ إلى الأنبياءِ أو الأنبياءَ إلى الأممِ وهُو الأظهرُ {بالبينات} أي الحججِ والمعجزاتِ {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب} أي جنسَ الكتابِ الشاملِ للكُلِّ {والميزان لِيَقُومَ الناس بالقسط} أي بالعدلِ. رُويَ (أنَّ جبريلَ عليهِ السَّلامُ نزلَ بالميزانِ فدفعَهُ إلى نوحٍ عليهِ السَّلامُ وقالَ مُرْ قومَكَ يزنُوا بهِ)، وقيلَ أُريدَ به العدلُ ليقامَ بهِ السياسةُ ويدفعَ به العُدوانُ. {وَأَنزْلْنَا الحديد} قيلَ: نزلَ آدمُ عليهِ السلام من الجنَّةِ ومعَهُ خمسةُ أشياءَ منْ حديدٍ: السندانُ والكلبتانِ والميقعةُ والمطرقةُ والإبرةُ، ورُويَ ومعَهُ المرُّ والمِسحاتُ. وعنِ الحسنِ: وأنزلنَا الحديدَ خلقنَاهُ كقولِه تعالَى وأنزلَ لكُم من الأنعامِ وذلكَ أنَّ أوامرَهُ تعالَى وقضايَاهُ وأحكامَهُ تنزل من السماءِ. وقولُه تعالى: {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} لأنَّ آلاتِ الحروبِ إنَّما تتخذُ منْهُ {ومنافع لِلنَّاسِ} إذْ مَا من صنعةٍ إلاَّ والحديدُ أو ما يُعملُ بالحديدِ آلتُها. والجملةُ حالٌ من الحديدِ. وقولُه تعالَى: {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ} عطفٌ على محذوفٍ يدلُّ عليه ما قبلَهُ فإنَّه حالٌ متضمنةٌ للتعليلِ كأنَّه قيلَ ليستعملُوه وليعلمَ الله علماً يتعلقُ به الجزاءُ من ينصرُه ورسلَهُ باستعمالِ السيوفِ والرماحِ وسائِر الأسلحةِ في مجاهدةِ أعدائِه أو متعلقٌ بمحذوفٍ مؤخرٍ والواوُ اعتراضيةٌ أي وليعلمَ الله مَنْ ينصرُه ورسلَهُ أنزلَه وقيلَ عطفٌ على قولِه تعالَى ليقومَ النَّاسُ بالقسطِ. وقولُه تعالى: {بالغيب} حالٌ من فاعلِ ينصرُ أو مفعولِه أي غائباً عنْهم أو غائبينَ عنه. وقولُه تعالى: {إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ} اعتراضُ تذييليٌّ جىءَ به تحقيقاً للحقِّ وتنبيهاً على أنَّ تكليفَهُم الجهادَ وتعريضَهُم للقتالِ ليسَ لحاجتِه في إعلاءِ كلمتِه وإظهارِ دينِه إلى نصرتِهم بلْ إنَّما هُو لينتفعُوا بهِ ويصلُوا بامتثال الأمر فيه إلى الثوابِ وإلاَّ فهُو غنيٌّ بقدرتِه وعزتِه عنهُم في كلِّ ما يريدُه.{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وإبراهيم} نوعُ تفصيلٍ لَما أُجملَ في قولِه تعالَى لقد أرسلنَا رسلنَا إلخ. وتكريرُ القسمِ لإظهار مزيدِ الاعتناءِ بالأمر أيْ وبالله لَقْد أرسلناهُمَا {وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِمَا النبوة والكتاب} يأنِ استنبأناهُم وأوحينَا إليهم الكتبَ وقيلَ المرادُ بالكتابِ الخطُّ بالقلمِ {فَمِنْهُمْ} أي من الذرية أو من المرسل إليهم المدلولِ عليهم بذكر الإرسالِ والمرسلينَ {مُّهْتَدٍ} إلى الحقِّ {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فاسقون} خارجونَ عن الطريق المستقيمِ، والعدولُ عن سنن المقابلةِ للمبالغةِ في الذمِّ والإيذانِ بغلبةِ الضُّلالِ وكثرتِهم.